في تلك الصحراء إلا أنه كنز لا يطمع فيه طامع، ولا يرغب فيه راغب.
إن كنت لم تسمع في حياتك باجتماع النقيضين وتلاقي الضدين, فاعلم أن المقامر في آن واحد أجشع الناس وأزهد الناس، فلولا حبه المال لما هان عليه أن يبذل راحته وشرفه وحياته في سبيله، ولولا زهده فيه لما أقدم باختياره على تبديده على مائدة القمار لا لغاية يطلبها, ولا لمأرب يسعى إليه.
أنا لا أريد أن أنصح إلى المقامر بترك القمار؛ لأني أعتقد أن من يملك عقلا مثل عقله, وفهما مثل فهمه لا يستطيع أن يفهم كلمة مما أقول، ومن عجزت حوادث الدهر وعبر الأيام عن أن ترد عليه ضالة عقله وتهديه السبيل إلى نفسه فلن تنفعه كلمة كاتب ولا موعظة خاطب، وإنما أريد أن أقول للذين لم يخطوا خطوة واحدة في هذا الطريق الوعر حتى اليوم: لا تقامروا جدا ولا هزلا فإن هزل القمار يجر إلى جده, ولا تمروا بمعاهد القمار فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه, ولا تصاحبوا المقامرين فإنهم لا يرضون عنكم حتى تتخذوا ملتهم, فإن فعلتم خسرتم مالكم وشرفكم وعزيمتكم وحياتكم من حيث لا تجدون من رحمة القلوب ورأفتها ما يعوض عليكم ما خسرتم، فارحموا أنفسكم إن كنتم راحمين، واتقوا الله إن كنتم مؤمنين.