لا يجد السكير لذة العيش وهناءه إلا إذا أسلم نفسه إلى كأس الشراب فنقله من هذا العالم البسيط المحدود إلى عالم هائل غريب, يرى فيه كل ما تشتهي نفسه أن يراه، فإن كان قبيح الوجه مشوه الخلق تخيل أنه شرك الأبصار، وفتنة النظار، وأن القلوب محلقة على جماله تحليق الأطيار على الأشجار، وإن كان وضيعا حقيرا لا يملك فلسا توهم أنه جالس على كرسي الملك والصولجان في يمينه والتاج فوق رأسه واعتقد أن عبيد الله عبيده, وجنود الحكومة جنوده، حتى الجندي الذي يسحبه على وجهه إلى السجن. وبالجملة لا تقع عينه على ما يحزنه من المنظورات، ولا تسمع أذنه ما ينفره من المسموعات، حتى ليرى الجمال الباهر في وجه العجوز الشمطاء، ويسمع في صوت الرعد القاصف ألحان الغناء.
ولا يشعر الصوفي بنعيم الحياة إلا إذا جنّ الليل وأوى إلى معبده وخلا بنفسه, فتخيل أن له أجنحة من النور كأجنحة الملائكة يطير بها في فضاء السماء, فيرى الجنة والنار والعرش والكرسي ويسمع صرير قلم القدرة في اللوح المحفوظ, ويقرأ في أم الكتاب حديث ما كان وما يكون وما هو كائن.
ولا يستفيق الشاعر من هموم الدنيا وأكدارها ومصائبها