للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنالك ذرفت من الوجد دموعا لا يذرفها إلا من قل نصيبه من الأصدقاء، وأقفر ربعه من الأوفياء، وأصبح غرضا من أغراض الأيام لا تخطئه سهامها، ولا تغبه آلامها١.

بينما أنا عائد إلى منزلي في ليلة من ليالي السرار٢ إذ دفعني الجهل بالطريق في هذا الظلام المدلهم إلى زقاق موحش مهجور يتخيل الناظر إليه في مثل تلك الساعة التي مررت فيها أنه مسكن الجان، أو مأوى الغيلان، فشعرت كأن بحرا أسود يتدفق بين جبلين شامخين، وكأن أمواجه تقبل بي وتدبر، وتقوم وتقعد، فما توسطت لجته حتى سمعت في منزل من تلك المنازل المهجورة أنة تردد في جوف الليل, فأصغيت إليها فتلتها أختها ثم أخواتها فأثر في نفسي مسمعها تأثيرا شديدا وقلت يا للعجب، كم يكتم هذا الليل في صدره من أسرار البائسين، وخفايا المحزونين، وكنت قد عاهدت الله قبل اليوم ألا أرى محزونا حتى أقف أمامه وقفة المساعد إن استطعت، أو الباكي إذا عجزت، فتلمست الطريق إلى ذلك المنزل حتى بلغته فطرقت الباب طرقا خفيفا فلم يفتح لي فطرقته أخرى طرقا شديدا ففتحت لي فتاة صغيرة لم تكد تسلخ العاشرة من عمرها فتأملتها على ضوء المصباح الضئيل


١ أغبه الألم جاءه حينا بعد حين.
٢ السرار آخر ليلة من ليالي الشهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>