الذي كان في يدها فإذا هي في ثيابها الممزقة، كالبدر وراء الغيوم المتقطعة، وقلت لها: هل عندكم مريض، فزفرت زفرة كاد ينقطع لها نياط قلبها, وقالت: أدرك أبي أيها الرجل فهو يعالج سكرات الموت. ثم مشت أمامي فتبعتها حتى وصلت إلى غرفة ذات باب قصير مسنم فدخلتها فخيل إلي أني قد انتقلت من عالم الأحياء إلى عالم الأموات، وأن الغرفة قبر والمريض ميت، فدنوت منه حتى صرت بجانبه فإذا قفص من العظم يتردد فيه النفس تردد الهواء في البرج الخشبي، فوضعت يدي على جبينه ففتح عينيه وأطال النظر في وجهي, ثم فتح شفتيه قليلا قليلا وقال بصوت خافت:"أحمد الله فقد وجدت صديقي" فشعرت كأن قلبي يتمشى في صدري جزعا وقلقا وعلمت أني قد عثرت بضالتي التي كنت أنشدها وكنت أتمنى ألا أعثر بها وهي في طريق الفناء، وعلى باب القضاء، وألا يجدد لي مرآها حزنا كان في قلبي كمينا، وبين أضالعي دفينا، فسألته ما باله وما هذه الحالة التي صار إليها، وكأن أنسه بي أمد مصباح حياته الضئيل بقليل من النور فأشار إلي أنه يحب النهوض, فمددت يدي إليه فاعتمد عليها حتى استوى جالسا وأنشأ يقص علي هذه القصة:
منذ عشر سنين كنت أسكن أنا ووالدتي بيتا يسكن بجانبه