يطلق دموع الباكين، وحفيف أوراق الأشجار شعر لأنه يمثل المناجاة في مواقف العشاق، وبكاء الحمائم شعر لأنه يمثل فجعة البين ولوعة الفراق، تلك النغمات الشعرية التي نسمعها من فم الإنسان مرة وفم الطبيعة أخرى هي التي زخرفت لنا هذه الحياة وألبستها ذلك الثوب الناعم الأبيض من السعادة والهناء حتى أحببناها, وولعنا بها وحرصنا عليها, وأعددنا العدد للبقاء فيها والسكون إليها, فكتبنا ودونا وألفنا واخترعنا، وتعلمنا فعلمنا، وبنينا فشيدنا، وغرسنا فجنينا، وعملنا فربحنا، واجتهدنا فأثرينا، وأملنا فسعينا، وسعينا فبلغنا، فكأن الشعر سر هذه الحياة وعلة هذا الوجود، لا تطير إلينا الحقائق إلا على جناحيه، ولا يطيب لنا العيش إلا في جواره، فلنمجد الشعراء كل التمجيد ولنكبرهم كل الإكبار، فهم مشارق شموس الحكمة، وأفلاك كواكب العلم والفضل، وهم الينابيع الصافية التي يترقرق ماؤها ثم يتسرب إلى الأفئدة, والقلوب فيملؤها وسعادة وهناء.