والأراجيف والصور والتهاويل وكل ما يمكن أن يسمى قوة يهجم بها هاجم على خصمه ليسلبه في آن واحد قوة جسمه وقوة قلبه وقوة يقينه، وقد ذهبت لذلك الجيش في آفاق السماء جلجلة كجلجلة الرعد القاصف, وانتشر له في جميع الأنحاء بريق يخطف الأبصار ويعشى الأنظار، فالتفتُّ إلى الجانب الآخر من الميدان فرأيت سعدا باشا واقفا في مكانه أعزل لا سلاح معه ولا يحيط به إلا سواد الأمة الأعزل مثله, فانبعثت من صدري صرخة الرعب والخوف, وأيقنت أن الرجل هالك هو وأمته ما في ذلك ريب ولا شك، ثم هجم ذلك الجيش العظيم هجمته الكبرى التي لم يسمع بمثلها في تاريخ هجوم الأقوياء على الضعفاء والتي استمرت سبعة شهور كاملة لا تهدأ ولا تفتر, فثبت الزعيم في مكانه ثباتا غريبا مدهشا وكأنما استحال إلى كرة فولاذية ملساء تتساقط عليها السهام ثم تنزلق عنها, وربما أصابت جسمه بعض الجرحات, ولكن لم يستطع سهم واحد أن ينفذ إلى قلبه, وثبتت الأمة بثباته فلم تهن ولم تضعف، ولم تعبأ ولم تحتفل، ولم تأخذ بلبها الصور والتهاويل، ولم تنل من نفسها الأكاذيب والأراجيف، ولم تعبث بعقيدتها الألسنة الخالبة والأقلام الخادعة، وها هي الأيام قد أخذت تدور دورتها, فانقلب الجيش المهاجم مدافعا والجيش المدافع مهاجما, ولله في خلقه شئون