أنظر إليهم ها هم يتقهقرون، وإن كانوا لا يزالون يضربون، ها هي ألسنة خطبائهم تتلجلج في أفواههم، وأقلام كتابهم تضطرب في أيديهم، ها هي وجوههم قد علتها غبرة الموت وقلوبهم تتنزى بين جوانحهم تنزي الكرة في أيدي ضاربيها، ها هي أصواتهم قد مازجها أنين محزن كأنين المحتضر، وصرخاتهم قد استحالت إلى عواء كعواء الذئاب، ها هم يخلطون ويهذون ويسبون ويشتمون ويصخبون ويحتدمون، أي: إنهم يلجئون إلى السلاح الأخير الذي يلجأ إليه المقهور في ساعته الأخيرة، ها هم يخافون من كل شيء حتى من خطبة يخطبها أزهري في مسجد, أو كلمة يلقيها طالب في متنزه، أو صرخة صرخها صارخ في محفل، ومن همس الهامس في أذن أخيه، ونظرة الناظر في وجه صاحبه، ومن قدوم جماعة من أعضاء مجلس النواب الإنجليزي الأحرار إلى مصر لا يملكون إلا قليلا من الحول والقوة، ومن سفر الزعيم من بلد إلى بلد لا يحمل إلا قلبه, ولا يملك إلا لسانه.
ما بالهم؟! وما الذي دهاهم؟! ومم يخافون والقوة في أيديهم, والأيام مواتية لهم، والدهر نازل على حكمهم؟! نعم، ولكنهم مبطلون، والباطل لا قوة له وإن اجتمعت في يده جميع القوى،