للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلقاء القلم وإعداد العدة لمقاومة هذا الزائر الثقيل.

طاردته بالمذبة فما أجدى ذلك نفعا؛ لأنه على الطيران أقوى من يميني على المطاردة، وفتحت النوافذ لأخرج ما كان داخلا، فدخل ما كان خارجا، وحاولت قتله فوجدته متفرقا، ولو كان مجتمعا في دائرة واحدة لهلك بضربة واحدة، ولم أر في حياتي أمة ينفعها تفرقها ويؤذيها تجمعها غير أمة البعوض، فما أضعف هذا الإنسان وما أضل عقله في اغتراره بقوته، واعتداده بنفسه، واعتقاده أن في يده زمام الكائنات يصرفها كيف يشاء، ويسيرها كما يهوى، وأنه لو أراد أن يذهب بنظام هذا الوجود ويأتي له بنظام جديد لما كان بينه وبين ذلك إلا أن يرسل أشعة عقله ويبتعث عزيمته، ويقتدح فكرته.

يزعم ذلك وهو يعلم أنه أضعف من أن يحتال لنفسه في مدافعة أصغر الحيوان جسما وعقلا، وأدناها قيمة وشأنا، بيد أنه يعلم ذلك بلسانه وفي فلتات وهمه، ولو علمه علما يتغلغل في نفسه، ويتمثل في سويداء قلبه لكفكف من غلوائه، وخفض من كبريائه، وعلم علم اليقين أن الإنسان العاقل والحيوان الملهم والنبات النامي والجماد الجامد سواء بين يدي القوة الإلهية الكبرى التي لا ينفع معها حول ولا قوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>