للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا أنسى ليلة زرت فيها صديقا لي فرأيت عند باب منزله امرأة بائسة ليس وراء ما بها من الهم غاية، وكأنما هي الخلال رقة وذبولا، ووراءها صبية ثلاث يدورون حولها، ويجاذبونها طرف ردائها، فتسبل فضل مئزرها على مآقيها المقرحة رأفة بهم أن يلموا ببعض شأنها فيبكوا لبكائها، فسألتها عن شأنها فأخبرتني أنها مطلقة من زوجها, وأن بيدها حكما من المحكمة الشرعية بالنفقة لأولادها وقد مر عليها زمن طويل و"الإدارة" تماطلها في إنفاذه، فجاءت إلى هذا الصديق تستعين به على أمرها، ثم أخذت تشرح من حالها وحال أطفالها في مقاساة الشدة ومعالجة القوت، ما أسال شئوننا، وصعد زفراتنا، وأمسكنا له أكبادنا خشية أن تصدعا.

فخففت أنا وصديقي شيئا من آلامها فانصرفت، وفي صباح تلك الليلة سمعنا أن امرأة فقيرة ماتت بحمى دماغية فسألنا عنها فعلمنا أنها صاحبتنا بالأمس, وأنها ماتت شهيدة الزوجية الفاسدة.

أيها الرجل، إن كنت تعتقد أن المرأة إنسان مثلك وهبها الله مدارك مثل مداركك، واستعدادا مثل استعدادك، فعلمها كيف تأكل لقمتها من حرفة غير هذه الحرفة النكدة، وإلا فأحسن إليها وارحمها كما ترحم كلبك وشاتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>