للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عملي، بل أنا أتجنب جهد المستطيع أن أستمع منهم كل ما يتعلق بي من خير أو شر؛ لأني راضٍ عن فطرتي وسجيتي في اللغة التي أكتب بها, فلا أحب أن يكدّرها عليّ منهم مكدِّر وعن آرائي ومذاهبي التي أودعها رسائلي, فلا أحب أن يشككني فيها منهم مشكك، ولم يهبني الله من قوة الفراسة ما أستطيع أن أميز به بين مخلصهم ومشوبهم, فأصغي إلى الأول لأستفيد علمه, وأعرض عن الثاني لأتقي غشه، فأنا أسير بينهم مسير رجل بدأ يقطع مرحلة لا بد له أن يفرغ منها في ساعة محدودة, ثم علم أن على يمين الطريق الذي يسلكه روضة تعتنق أغصانها وتشتجر أفنانها وتغرد أطيارها وتتألق أزهارها، وأن على يساره غابا تزأر أسوده وتعوي ذئابه وتَفِحّ أفاعيه وصلاله, فمشى قدما لا يلتفت يمنة مخافة أن يلهو عن غايته بشهوات سمعه وبصره, ولا يسرة مخافة أن يهيج بنظراته فضول تلك السباع المقعية والصلال الناشرة فتعترض دون طريقه، وأما عامتهم فهم بين ذكي قد وهبه الله من سلامة الفطرة وصفاء القلب ولين الوجدان ما يعده لاستماع القول واتباع أحسنه فأنا أحمد الله في أمره، وضعيف قد حِيل بينه وبين نفسه فهو لا يرضى إلا عما يعجبه ولا يسمع إلا ما يطربه فأكل أمره إلى الله وأستلهمه صواب الرأي فيه حتى يجعل

<<  <  ج: ص:  >  >>