والكمالات؛ لأنه يظن أنه قد كفي مئونة السعي إليها، وأرثي له وأبكي على عقله إن مشى الخيلاء، وطاول بعنقه السماء، وسلم بإيماء الطرف وإشاره الكف، ومشى في طريقه يخزر عينيه خزرا ليرى هل سجد الناس لمشيته، أو صعقوا من هيبته، وأرحمه الرحمة كلها إن عاش شحيحا مقترا على نفسه وعياله, بغيضا إلى قومه وأهله, ينقمون عليه حياته ويستبطئون أجله.
أما الفقير فهو عندي أسعد الناس عيشا, وأروحهم بالا إلا إذا كان جاهلا ضعيفا مخدوعا يملك الوهم عليه مشاعره, فيظن أن الغني أسعد منه حظا وأرغد عيشا وأثلج صدرا, فيحسده على تلك السعادة التي يزعمها له, فيجلس في كسر بيته جلسة الكئيب المحزون يصعد الزفرة فالزفرة، ويرسل الدمعة أثر الدمعة، ولولا جهله وضعف قلبه لعلم أن رُبَّ صاحب قصر باذخ يتمنى كوخ الفقير وعيشه, ويرى أن ذلك السراج من الزيت أسطع ذبالا وأكثر لألاء من أنوار الشموع وباقات الكهرباء التي تأتلق بين يديه, وأن تلك الحشية من الأديم أو الوبر أنعم ملمسا وألين مضجعا من وسائد الحرير, ونضائد الديباج.