للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغد بحر خضم زاخر يعب عبابه١، وتصطخب أمواجه، فما يدريك إن كان يحمل في جوفه الدرر والجواهر، أو الموت الأحمر.

لقد غمض الغد عن العقول ودق شخصه عن الأنظار, حتى لو أن إنسانا رفع قدمه ليضعها في خروجه من باب قصره لا يدري أيضعها على عتبة القصر، أم على حافة القب؟

الغد صدر مملوء بالأسرار الغزار تحوم حوله البصائر وتتسقطه٢ العقول وتستدرجه الأنظار فلا يبوح بسر من أسراره إلا إذا جادت الصخرة بالماء الزلال.

كأنى بالغد وهو كامن في مكمنه رابض في مجثمه٣ متلفع بفضل إزاره ينظر إلى آمالنا وأمانينا نظرات الهزء والسخرية, ويبتسم ابتسامات الاستخفاف والازدراء، يقول في نفسه: لو علم هذا الجامع أنه يجمع للوارث وهذا الباني أنه يبني للخراب وهذا الوالد أنه يلد للموت ما جمع الجامع ولا بنى الباني ولا ولد الوالد.

ذلل الإنسان كل عقبة في هذا العالم فاتخذ نفقا في الأرض وصعد بسلم إلى السماء، وعقد ما بين المشرق والمغرب بأسباب٤ من حديد وخيوط من نحاس، وانتقل بعقله إلى العالم العلوى


١ يعب عبابه يرتفع موجه.
٢ تسقط الخبر أخذه شيئا فشيئا.
٣ مجثم الطائر موضع جثومه أي: تلبده بالأرض.
٤ الأسباب الحبال وكل ما يوصل بين الشيئين.

<<  <  ج: ص:  >  >>