أنا لا أعجب لشيء عجبي لهولاء الأدباء؛ يحزنون فلا يبكون، ويطربون فلا يضحكون، ويتألمون بلا أنين، ويعشقون بغير حنين.
أيطرب البلبل فيغرد, ويشجى الحمام فينوح, ويطرب الشاعر ويشجى الكاتب فلا ينطق لسانهما, ولا يهتز قلمهما؟
لما أسن عمر بن أبي ربيعة ورأى أن الغزل والتصابي غير لائق بشيبه ووقاره عزم على هجره فما استطاع إلى ذلك سبيلا, وغُلب على أمره كما يغلب المرء على غرائزه وسجاياه، فاحتال لذلك بأن حلف ألا يقول بيتا من الشعر إلا أعتق رقبة, فشكا إليه رجل حبا برح به, فحن واهتاج ونظم أبياتا في شأن الرجل ووجده, ثم أعتق عن كل بيت رقبة.
فهل نذر أدباؤنا ما نذر عمر بن أبي ربيعة وهم في شرخ الشباب وإبان الفتوة؟ إن كانوا فعلوا ذلك فأسأل الله لهم قصة كقصة عمر تهيج أشجانهم فتحنث أيمانهم، والأمة كفيلة لهم بوفاء النذور وكفارات الأيمان:
وذو الشوق القديم وإن تعزى ... مشوق حين يلقى العاشقينا