شعري من أين دهيت، ومن أي باب نفذ هذا الشيطان إلى قلبك، وإن أخوف ما أخاف عليك أن تكون أُتيت من باب تلك الخدعة الشيطانية التي يسمونها الرحمة، فإن كانت هي فالخطب عظيم، والبلاء جسيم؛ فإنك حيثما ذهبت، وأنى حللت، لا تقع عينك إلا على يد شلاء، ورجل بتراء، وعين عمياء، وصورة شوهاء، وثوب مخرق، وشلو ممزق، وطريح على التراب سقيم، وجسم أعرى من أديم، فإن لم تفارق الرحمة قلبك، فارق المال جيبك، فطفت مع الطائفين، وتسولت مع المتسولين، ثم لا تجد لك راحما ولا معينا، فارحم نفسك قبل أن ترحم سواك، ولا تنس أن تردد في صباحك ومسائك، وفي مستأنف خطواتك، وفي أعقاب صلواتك، كلمة ابن الزيات:"الرحمة خور في الطبيعة".
وعلمت أنك دعيت إلى وليمة فلان فتحلب لها فوك، ورقصت لها أشداقك، فطرت إليها، ثم وقعت على خبزها وشوائها، وفاكهتها وحلوائها، مثلج الصدر، ثابت القدم، ساكن القلب، طيب النفس، كأنك لا تعلم أنها لذة الساعة ومرارة العمر، وشبع اليوم وجوع الأبد، وأنك إنما طعمت ما في الحبالة من الحب، تأكله اليوم ليأكلك غدا، فمن لك بالنجاة من مضيفك إذا جاءك يوما يتقاضاك دينه وقد حفت به