بتلابيب بعض، كأنهم هاربون من معركة، أو مفلتون من مارستان، ودماء الشرف والفضيلة تسيل على أقدامهم، وتموج موج البحر الزاخر، يغرق فيه من يغرق، وينجو من ينجو.
أتدرون لم سقطت الهيئة الاجتماعية هذا السقوط الهائل الذي لم تصل إلى مثله في دور من أدوار حياتها الماضية؟ ولم هذا الجنون الاجتماعي الثائر في أدمغة الناس خاصتهم وعامتهم، علمائهم وجهلائهم؟ ولم هذه الحروب القائمة، والثورات الدائمة، والنزاع المستمر بين البشر جماعات وأفرادًا، وقبائل وشعوبًا، وممالك ودولًا؟.
لا سبب لذلك سوى شيء واحد، وهو أن الناس يعتقدون اعتقادًا خطأ أن المال أساس السعادة وميزانها الذي توزن به، فهم يسعون إليه لا من أجل القوت وكفاف العيش كما يجب أن يكون، بل من أجل الجمع والادخار، والمال في العالم كمية محدودة لا تكفى لملء جميع الخزائن وتهدئة كافة المطامع، فهم يتخاطفونه ويتناهبونهُ ويتصارعون من حولهِ كما تتصارع الكلاب حول الجيف المطّرحة، ويسمعون عملهم هذا تنازع الحياة أو تنازع البقاء، وما هو بالتنازع ولا التناظر، إنما هو العراك والتناحر، والدم السائل، والعدوان الدائم، والشقاء الخالد.