الأولى وكشَر عن الأخرى، ثم هجم على ولد أبيه وأمه هجمة لا يعود منها إلا به أو بنفسه التي جنبيه، وإنك لو سألت الجنديين المتقاتلين ما خطبكما، وما شأنكما وعلام تقتتلان، وما هذه الموْجدة التي تحملانها بين جنبيكما، ومتى ابتدأت الخصومة بينكما وعهدي بكما أنكما ما تعارفتما إلا في الساعة التي اقتتلتما فيها لعرفت أنهما مخدوعان عن نفسيهما، وأنهما ما خرجا من ديارهما ليضعا درّة في تاج الملك أو "نيشانا" على صدر القائد.
فتشت عنها بين رجال الدين ورجال الصحف؛ فرأيت أنهما يتجران بالعقول في أسواق الجهل، ورأيت كلا منهما قد ثغر له في كل رأس من رؤوس البشر ثغرة ينحدر منها إلى العقول فيفسدها والقلوب فيقتلها؛ ليتوسل بذلك إلى الذخائر فيسرقها والخزائن فيسلبها، هذا باسم السياسة وذاك باسم الدين.
فتشت عنها في كل مكان أعلم أنه تربتها وموطنها فلم أعثر بها فليت شعري هل أجدها في الحانات والمواخير أو في مغارات اللصوص أو بين جدران السجون.
سيقول كثير من الناس قد غلا الكاتب في حكمه، وجاوز الحد في تقديره، فالفضيلة لا تزال تجد في صدور كثير من الناس صدرًا رحبًا، وموردًا عذبًا، وإني قائل لهم قبل أن يقولوا كلمتهم: