الأقلام من خدمة المجتمع الإنساني وتهذيبه، فلم يبق أمامي غير هذا المجد الكاذب، وهو مجد القربى من الحكام والعمال، ولا سبيل إليه إلا ببذل ثمن غالٍ تقصر عنه خزائن قارون وكنوز ركفلر، وقد أنفقت فوق الطاقة ووراء الفاقة في بناء القصور نزلا للحكام، وغرس البساتين منازه لهم، وإعداد الفرش والآنية الثمينة لمآدبهم وولائمهم، فلما نضب معين الذهب وعيت الأرض أن تثمر فوق ما تثمر لجأت إلى مصرف من المصارف فأثقلني بالديون وأرهقني بالطلب، ففزعت منه إلى آخر، ثم إلى آخر، فكنت كناقش الشوكة بالشوكة، أو غاسل الدم بالدم، ولو كشف لك من أمري ما كشف لي منه لعلمت أن جميع ما كنت أملك من أطيان وعقار، ودور وقصور، لم يبق لي منه إلا تلك الخطوط السوداء المسطورة في جرائد الصبارف، وها أنا ذا اليوم طريد المصارف والغرماء، وغريم القضاءين؛ قضاء الأرض وقضاء السماء.
ذلك كل ما يستفيد الوجيه من وجاهته, قبحها الله وقبح كل ما تأتي به، فلا تحسد الوجيه على مظهره الكاذب وزخرفه الباطل، ولا تنفس عليه بؤسه الكامن وشقاءه الخفي، فهو أتعس خلق الله وأكثرهم هما وأثقلهم مئونة وأخسرهم حاضرا ومستقبلا، يكون عنده من الضياع أو الدور جملة لا تثمر له من المال أكثر مما يسع ترفيه