للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا أمر فيها إلا لله وحده, لا يستحيون أن يقفوا بين يديه باذلين من شئونهم ما كانوا يضنون به من قبل.

على أن البكاء الذي حال بين سعد باشا وبين كلمته التي أرادها لم يحل بينه وبين أن يكون أفصح القائلين في ذلك الموقف وأنطقهم، فقد خطب الخطباء وأنشد الشعراء من قبله ساعتين كاملتين فكان كل ما كان لكلماتهم من الأثر في النفوس أن كان السامعون يتهامسون فيما بينهم بالإعجاب بفصاحة الفصيح أو نباهة المؤرخ أو بلاغة الشاعر أو إبداع المبدع في معانيه أو إحسان المحسن في إلقائه, حتى وقف هو وأرسل من جفنيه تلك الدمعة الحارة, فبكى الناس جميعا لبكائه؛ كبارا وصغارا, شيوخا وشبانا, وكان مشهدا مؤثرا لم نر مثله في حفلة تأبين قبل اليوم، فكان لتلك الخطبة القصيرة الصامتة المتفجرة من قلب مصدوع مكلوم من الأثر في النفوس ما لم يكن لتلك الخطب الناطقة الطوال.

ليس الذي يبكي صديقا كان يأنس بحديثة, أو عالما كان ينتفع بعلمه, أو كريما كان يستظل بظلال مروءته وكرمه كمثل الذي يبكي شظية طارت من شظايا قلبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>