الحرب أبطال السلم، فذكرت عمر بن عبد العزيز وعدله، والمأمون وفضله، والغزالي وحكمته، وابن رشد وفلسفته، ومعاوية وسياسته، وعبد الملك وكياسته، وذكرت مدارس بغداد وبخارى والإسكندرية والقاهرة وغرناطة وإشبيلية وقرطبة، وذكرت مترجمي كتب أقليدس وبطليموس وأرسطو، وواضعي علوم الجبر والمقابلة والكيمياء، وذكرت مخترعي البندول والبوصلة "بيت الإبرة" والساعة الدقاقة التي أهداها الرشيد إلى شارلكان ملك فرنسا, ففزع منها سامعوها فزعا شديدا وسموها شيطانا رجيما أو آلة سحرية أو مكيدة عربية، إلى كثير من أمثال هذه الآثار العربية والمفاخر الإسلامية.
ثم ذكرت الإسلام إذ ضربه الدهر بضرباته ورماه بنكباته فأصبح أثرا من الآثار، أو خبرا من الأخبار، وعليلا حار فيه أطباؤه، ومله عواده، وظل متراوحا بين داهيتين، ومترجحا بين غايتين، إما أن يموت موتة أبدية وبالله العياذ، أو يحيا حياة مادية لا حياة أدبية، وينهض جامعة تجارية لا جامعة إسلامية، ما دامت المادة قاعدة الحكومات، وما دامت الحكومات عدوة الأديان، وما دامت الأديان لا تبلغ غايتها إلا في فضاء من الحرية لا يبلغ البصر أطرافه؛ لذلك أحزنني عند سماع خطبة الخطيب