للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحُصَيْنِ: "أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً" خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُسْنَدًا، وَأَرْسَلَهُ مَالِكٌ (١). وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ مِنْ رَدِّ الْآثَارِ الَّتِي تَأْتِي بِطِرِيقِ الْآحَادِ إِذَا خَالَفَتْهَا الْأُصُولُ الثَّابِتَةُ بِالتَّوَاتُرِ. وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ السَّيِّدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْعِتْقَ تَامًّا، فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَنَفَذَ بِإِجْمَاعٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ الْجَائِزِ فِعْلُ السَّيِّدِ فِيهِ).

إلى هنا تمَّت حجة أبي حنيفة، وكأنه ردَّ الحديث لمخالفة الأصول، وبين تقرير ذلك، ثم شرع ابن رشد يجيب عن ثلاثة.

* قوله: (وَهَذَا الْأَصْلُ لَيْسَ بَيِّنًا مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: إِنَّهُ إِذَا أُعْتِقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الثُّلُثُ دَخَلَ الضَّرَرُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْعَبِيدِ الْمُعْتَقِينَ، وَقَدْ أَلْزَمَ الشَّرْعُ مُبَعِّضَ الْعِتْقِ أَنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنُ هَاهُنَا أَنْ يُتَمَّمَ عَلَيْهِ جَمْعٌ فِي أَشْخَاصٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَكِنْ مَتَى اعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ دُونَ الْعَدَدِ أَفْضَتْ إِلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ تَبْعِيضُ الْعِتْقِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعْتَبَرَ الْعَدَدُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَكَانَ الْجُزْءُ الْمُعْتَقُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْمَعَ فِي أَشْخَاصٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَصْلُهُ حَقُّ النَّاسِ).

وهذا جواب سديد، فهدا أصل بذاته مستقلٌّ، وهو أن الشرع يرغِّب في تكميل العتق، كما تقدم الكلام على من أعتق شركًا له في عبد؛ فمصلحة تكميل العتق أولى من تجزئ العتق على الورثة، والعبيد، فهنا أصل آخره جرى عليه الحديث، دون الأصل الذي تفطن له الحنفية، ومن


(١) لم أقف عليه عند البخاري. وأخرجه مسلم (١٦٦٨)، ومالك في "الموطإ" (٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>