نحن عند مقدمة كتاب المضاربة وكتاب القراض، بينا أن المضاربة أن يدفع إنسان ماله إلى آخر ليتجر به، فهناك طرفان؛ طرف يملك المال، وآخر لا مال عنده، لكن لديه القدرة والخبرة على أن يضارب بهذا المال حتى يربح بإذن الله -سبحانه وتعالى-، وبينا هناك أنَّ الناس ليسوا جميعًا على دراية ومعرفة بالتجارة، فمن الناس من لديه المال لكنه لا يعرف أصول التجارة، ولا يستطيع أن يمارس فيبيع ويربح.
وآخر لديه الخبرة والدراية والمعرفة والمكانة، لكن لا مال بين يديه، فيدفع هذا ماله إلى ذاك؛ ليتجر به على جزء معلوم من الربح، هذا قد مضى، والمساقاة فيها نوع من الشبه، وإن كانت المضاربة بهما رأينا كانت موضع إجماع من حيث الجملة، لكن المساقاة تختلف، وأشد منها المزارعة؛ ولذلك لم يعقد المؤلف لها بابًا في هذا الكتاب نهجًا على مذهبه؛ لأن المالكية لا يرون المزارعة، لكنه أشار إليها إشارات خفيفة ضمن المساقاة.
نأتي الآن إلى المساقاة، ومعناها (١): أن يدفع رجل شجره أو زرعه إلى
(١) المساقاة لغة: مفاعلة من السقي. وشرعًا: دفع فلان إلى فلان نخله أو كرمه يستعمله =