للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا القول إنما هو المشهور عن أحمد والشافعي، وإلا فهناك قولٌ آخَر بعَدَم الوجوب في كلا المذهبين (١)، ولكننا هاهنا نقتصر على بحث القول المشهور حتى لا نخالِفَ منهج الكتاب.

وأما أفعال الرسول -علَيه الصلاة والسلام- فيما إذا كانت تُحْمَل على الوجوب (٢)، أو على الندب (٣)، فالأحناف والمالكية يحملونها على الندب، ولذا قالوا باستحباب الترتيب، وأمَّا الشَّافعيَّة والحنابلة، فيَحْملونها على الوُجُوب؛ ولهذا فَهُمْ على وجوب الترتيب، وهذه قضيَّةٌ أصوليَّةٌ معروفةٌ.

ونَحْن نَقُول بأن فِعْلَ الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- إنَّما جاءَ مُوَافِقًا للآية.

[أدلة الأحناف والمالكية]

الدليل الأول: الواو التي عَطَفَت أعضاء الوضوء بعضها على بعضِ في قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ


(١) يُنظر: "المهذب في فقة الإمام الشافعي" للشيرازي (١/ ٤٢) حيث قال: "حكى أبو العباس بن القاص قولًا آخر أنه إن نسي الترتيب جاز، والمشهور هو الأول".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" للمرداوي (١/ ١٣٨) حيث قال: "وعن أحمد رواية بعدم وُجُوب الترتيب بين المضمضة والاستنشاق، وبين بقية أعضاء الوضوء … فأخذ منها أبو الخطاب في "الانتصار"، وابن عقيل في "الفصول": رواية بعدم وجوب الترتيب رأسًا، وتبعهما بَعْضُ المتأخرين، منهم صاحب "التلخيص"، و"المحرر"، و"الفروع" فيه وغيرهم. فال الزركشي: وأبي ذلك عامة الأصحاب؛ متقدمهم ومتأخرهم".
(٢) يُنظر: "قواطع الأدلة" للسمعاني (١/ ٢٣) حيث قال: "الواجب ما يُثَاب على فعلِهِ، ويُعَاقب على تَرْكه".
(٣) يُنظر: "قواطع الأدلة" للسمعاني (١/ ٢٤) حيث قال: "الندب: فهو ما فيه ثناءٌ على فعلِهِ، ولا يُعَاقب على تركه".

<<  <  ج: ص:  >  >>