للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، فقد ذهبَ البصريون من النُّحاة إلى أن هذه الواو لا تفيد الترتيبَ والتنسيقَ عادةً في لغة العرب، وإنما تفيد مُطلَقَ الجَمْعِ، مما يُدخِلُ الترتيبَ في دائرة الاستحباب لا الوجوب.

الدليل الثاني: رواية عن ابن عباسٍ -رضي الله عنه- جاء فيها: "أن الرسول تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ، وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ" (١)، فاستدلوا من هذه الرِّواية على عَدَم وجوب الترتيب.

الدليل الثالث: ما نُقِلَ عن علي بن أبي طالب (٢) وعبد الله بن مسعود (٣) -رضي الله عنهما- أنهما قالا: "لَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَاء بَدَأْتُ".

الدَّليل الرَّابع: قياس الوضوء على غُسْل الجنابة، وأن غسل الجنابة لا يُشْترَط فيه الترتيب، بل إنَّ الإنسان في غسل الجنابة إذا غمس نفسه في الماء لأجزأه عن الغُسْل دون تَرْتِيب، فاستدلوا بهذا القياس على أن الوضوءَ كذلك لا يُشْترَط فيه الترتيب مثله في ذلك مثل غسل الجنابة، إذ إن كلًّا منهما طَهَارةٌ من حَدَثٍ.

الدَّليل الخامس: أن هناك اتفاقًا على أن التَّرتيب لا يُشترَط بين العضوين المتماثلين، فلو أن إنسانًا غَسَلَ يده اليسرى قبل اليمنى لم يكن في هذا ما يبطل طهارته، بل إنَّ طهارته تبقى على صحتها رغم عُدُوله عن الأفضل إلى المفضول، وعليه فإنَّهمْ يَرَوْنَ عدم الترتيب في أعضاء الوضوء عدولًا عن الأفضل إلى المفضول لا يؤثر في صحة الوضوء.


(١) لم أجده .. وقال ابن الجوزي في "التحقيق في مسائل الخلاف" (١/ ١٦٣) بعد أن ساق الحديث: "هذا لا يصحُّ، ومن الجائز أن يكون شكَّ، هل مسح رأسه أم لا، فمسح احتياطًا".
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١/ ٤٣)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ١٤٠)، وقال البيهقي: منقطع.
(٣) أخرجه الدارقطني في "سننه" (١/ ١٥٣)، عن مجاهد، قال: قال عبد الله: "لا بأس أن تبدأ برِجْلَيْك قبل يديك في الوضوء". وقال الدارقطني: هذا مرسلٌ، ولا يثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>