للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مناقشة الجمهور]

ما وَجدتُ الجمهورَ عَرَضُوا لحديث: " إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لْيَنْثُرْ " - فيما اطَّلعتُ عليه من كتبهم - وإنما يُركِّزون على حديثين؛ حديث عائشة - رضي الله عنها -: " المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه "، ولقولون بأن هذا الحديثَ فيه ضعفٌ.

ويقولون في حديث أبي هريرة: " تمضمضوا واستنشقوا ": إنه حديثٌ ضعيفٌ.

نقول: نُسَلِّمُ ضعفَ الدليلين، بل هذا أمرٌ لا خلاف فيه، وَلَكن ما بالُكُم بالأحاديث الأُخرى التي بعضها في " الصحيحَين ": " إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لْيَنْثُرْ "، وَحَديث فِي المَضْمَضة: " إذَا تَوضَّأت، فَمَضْمض "، وهو في " سنن أبي داود "، وهو حديثٌ صحيحٌ.

وهذِهِ الأحاديثُ إنما جاءت بيانًا لقول الله سبحانه وتعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، والسُّنَّة إنما جاءت بيانًا لما وَرَد مُجْمَلًا في كتاب الله عز وجل، والله تعالى هو الذي أرشد إلى هَذَا الأمر بقوله في آياتٍ متعددةٍ؛ كقول الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، والبيان إنما يكون قولًا وفعلًا.

وقد تُخصِّص السُّنَّة بعضَ الآيات العامة أو تفصلها، ومَنْ أراد أن يعرف ذلك مفصلًا فليرجع إلى ما يُعْرَف بـ " تاريخ التشريع "؛ فإن الذي كتبوا في هذا الموضوع قد فَصَّلُوا القول فيه.

القَوْلُ الأَوْلَى:

ننتهي إلى أن الأَوْلَى هو أنه ينبغي الأخذ بقول مَنْ يقول بوجوب المضمضة والاستنشاق؛ لوجود الأدلة التي تدعم هذا القول، ولا نرى ما يبطلها؛ ولأنه الأحوط، والرسول - عَلَيه الصلاة والسلام - يَقُول: " دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك " (١)، وهذا من المقام الذي يَشُكُّ فيه الإنسان، فهو


(١) أخرجه الترمذي (٢٥١٨)، وحَسَّنه الأَلْبَانيُّ (٣١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>