للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبادر إلى شُكْرِ الله سبحانه وتعالى حتى يزيدنا من فضله، لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.

وليس الوصول لمثل هذه الدقائق والغوامض (١) مُستَغرَبًا من عُمَرَ، فإنه - رضي الله عنه - هو الذي أيَّدَهُ القرآن الكريم في أكثر من موضع، كتأييده في قضية أسرى بدرٍ، في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}، وكذلك في نزول آيات الحجاب، هذا إلى جانب ما اقترَحَهُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "يا رسول الله، لو اتخَذْتَ من مقام إبراهيم مُصَلًّى! "، فنَزَلَ قوله سبحانه وتعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (٢).

فلعلَّ هذه المسألة تكون قد وَضَحَتْ بِجلاءٍ بعد أن فَصَّلْنَا القول فيها.

• حُكم الأرض التي رَحَلَ عنها أهلُها من تلقاء أنفسهم:

ويبقى الآن أن نَعرِضَ إلى أن هناك من أهل العلم مَن يرى في المسألة قسمًا ثالثًا، وهو: تلك الأراضي التي يتركها أهلُها بحيث إنها أراضٍ لم تؤخَذ عَنوةً من أصحابها ولم يصالِح أهلُها المسلمين عليها كذلك، وإنما خرجوا منها وتركوها راحلين من تلقاء أنفسهم، وهذه المسألة لأهل العلم فيها قولان:

القول الأول: أنها تصير وَقفًا بمجرد خروج أهلها منها (٣).


(١) يقال للأمر الخفيّ والمعتاص: أمر غامض. وكلام غامض: غير واضح. انظر: "أساس البلاغة" للزمخشري (١/ ٧١٢).
(٢) أخرجه البخاري (٤٠٢)، ومسلم (٢٣٩٩) عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "وافقت ربي في ثلاث: فقلت يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن)، فنزلت هذه الآية".
(٣) مذهب الشافعية، يُنظر: "المهذب" للشيرازي (٣/ ٣٠٢)، حيث قال: "الفيء هو المال الذي يؤخذ من الكفار من غير قتال وهو ضربان؛ أحدهما: ما انجلوا عنه خوفًا من المسلمين أو بذلوه للكف عنهم فهذا يخمس ويصرف خمسه إلى من يصرف إليه =

<<  <  ج: ص:  >  >>