للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرًا، كأنما يتذكَّر يومَ أن كان صغيرًا، عزيزَ النَّفسِ لا يسأل أحدًا حتى في أمور سهلة، كأن يطلب من طلَّابه كأس ماءٍ، أو صَحن تمْرٍ بجانبهم، بل هو يأتي به، وإذا حضر الغريب سألَهُ عن حاجته وبدأ به، بعيد عن الشهرة والمدح، يحبُّ مَن يسأل ليستفيد، وقد كان فتح باب النِّقاش في القواعد قبل المغرب بنصف ساعة تقريبًا، فيحتف حوله الطلابُ، ويسألونه عمَّا أُشكِلَ عليهم، وهو معهم في أخْذٍ ورَدِّ، لا يتذمَّر ولا يتضجَّر أبدًا، مثالٌ للعالم المربِّي حقًّا، الذي جمع بين العلم والرحمة بالمتعلمين (١).

تدريسُهُ بالمسجدِ النبويِّ:

بدأ الشيخُ الوائلي -رحمه الله تعالى- عام (١٤١٦ هـ) التدريسَ بالمسجد النبوي الشريف، وقد طُلِب منه قبل ذلك الوقت، ولكنَّه اعتذرَ بضيق الوقت وكثرة الأشغال في الجامعة الإسلامية، إلى أنْ يسَّر اللهُ له الأمر؛ فعقَدَ مجلسَه بعدما قفل الناس من حجِّهم، واختار أن يكون درسُه في كتاب طالما درسه في الجامعة وتمعَّن فيه، ألا وهو كتاب: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد الحفيد، وكان هذا الدرس فتحًا على طلاب الجامعة الذين استفادوا منه غاية الاستفادة، فبسط ما كان موجزًا، وسهل ما استصعب منه، وفكَّ رموزه بأسلوب فقهيٍّ متميز، يعرف هذا كلُّ مَن سمع درسَه، حتى أمضى في الكتاب ثمان سنوات كاملة وهو يشرح ويوضِّح، وكان دائمًا يذكر أنه لولا خشية الإطالة لبسط الدرس، ولزادت سنواته.

ثم بعدما يسَّر اللهُ تعالى إتمام الكتاب، استأنف في تدريس كتاب: "الكافي" لابن قدامة المقدسي في الفقه الحنبلي، هذا الكتاب الذي أمضى فيه قرابة ست سنوات ونصف، وهو دليل واضح على عُمق فِقْهه، وقوَّته العلمية، وهو يعد فتحًا مبينًا، فلم يسبق أحدٌ -والله أعلم- أن شرحَ الكتاب بأكمله.


(١) مقال: حتى لا ننسى الشيخ الفقيه محمّد بن حمود الوائلي، مصدر سابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>