للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ " (١).

وفي روايةٍ: " لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللهَ " (٢)، فإنه حَسَّنَ إسنادَه.

وقَدْ نقَل التِّرمذيُّ أن الإمامَ أحمدَ رَحَمِهُ اللهُ لَمَّا سُئِلَ عن الأحاديث الواردة في التَّسمية في الوضوء، أجاب بأنَّه لم يثبت في ذلك شَيءٌ (٣)، فَوَافق الجُمْهور في قَوْلهم بالاستحباب في أظهَر الرِّوَايتين عنه، ومع ذَلكَ نجده قَدْ قال في الرِّواية الأُخرى بوُجُوب التَّسْمية.

وَهُنَاك حَديث آخَرُ لا يَذْكره الفقهاء كثيرًا، وهو ما رُوِيَ عن أنسٍ - رضي الله عنه - أنَّه قال: نَظَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءًا، فَلَمْ يَجِدُوا، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " هَاهُنَا مَاءٌ ". قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ المَاءُ، ثُمَّ قَالَ: " تَوَضَّؤُوا بِاسْمِ اللهِ "، فَرَأَيْتُ المَاءَ يَفُورُ من بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَالقَوْمُ يَتَوَضَّؤُونَ، حَتَّى تَوَضَّؤُوا عَنْ آخِرِهِمْ (٤) … لكنه حديث عامٌّ.

استدلال القائلين بالوُجُوب بالحديث الأول:

أمَّا حَديثُ: " لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَم يُسَمِّ اللهَ "، فَقَد استدلَّ هَذَا الفريقُ بِهِ علَى وُجُوب التَّسمية، من حيث إنَّ قَوْله: " لا وُضُوءَ … "، إنَّما أُتِيَ فيه بـ " لَا " النَّافية، ثمَّ جاءت لفظة " وضوء " نكرة في سيَاق النَّفي، فأَفَادَت العُمُومَ (٥)؛


(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه أحمد في " مسنده " (٢٠/ ١٢١)، وصَحَّحه ابن الملقن في " البدر المنير " (٢/ ٩٠).
(٥) يُنظر: " إرشاد الفحول " للشَّوكاني (١/ ٣٠٨)، حيث قال: " النكرة في سياق النفي نحو: لم أر رجلًا، وذلك يعم؛ لضرورة صحة الكلام، وتحقيق غرض المتكلم من الإفهام إلا أنه لا يتناول الجميع بصيغتِهِ، فالعموم فيه من القرينة، فلهَذَا لم يختلفوا فيه "، وانظر: " روضة الناظر " لابن قدامة (٢/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>