الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسلام على إمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
فإنَّ كتاب:(بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لأبي الوليد، محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، كتابٌ فريدٌ في بابه، عزَّ وجود نظيره ومثيله، أجادَ مؤلِّفه في ترتيبه وتقسيمه، وأحسن في عرضه وأسلوبه، ووُفِّق في اختيار مسائله وانتقاء مباحثه، وأبدع في توجيه أسباب الخلاف بين العلماء، وتحرير النزاع بين الفقهاء؛ فكان ذلك سببًا في ذيوعه في الأقطار، وانتشاره في الأمصار، وتلقِّي العلماء له بالثناء والاستحسان، حتى قال عنه الذهبي في "تاريخ الإسلام":
"كتاب بداية المجتهد، ونهاية المقتصد، في الفقه، عَلَّل فيه وَوَجَّه، ولا نعلمُ في فنِّه أنفع منه، ولا أحسن مساقًا".
ولا غَرْوَ بعدَ ذلك أن تُقرِّر الجامعةُ الإسلامية بالمدينة المنورة تدريس هذا الكتاب لطلَّابها فى المرحلة الجامعية؛ لأن مؤلِّفَه اعتنى بتطبيق القواعد الأصوليَّة، والفقهية، على المسائل الفرعية، واهتمَّ بالتنبيه على نكت الخلاف بين العلماء، ولا ريبَ أنَّ ذلك يساعِدُ على تنمية المَلَكة الفقهية، التي تُعين الطَّالب على حُسن الاجتهاد، وسلامة الاختيار، كما أنه يُربِّي فيه احترام الدليل واتِّباعه، وعدم تقديم القياس والرأي عليه، قال ابن رشد في كتاب الصرف: (فإنَّ هذا الكتاب إنما وضعناه؛ ليبلغ به المجتهدُ في