للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُستَحَبَّاتِ، بَلْ إنَّ الآية قد وَردَتْ بصيغة الأمر، والأصلُ في الأمر اقتضاؤُهُ الوجوبَ، وإذا كان حكم هذه الأعضاء الأربعة الواردة في الآية محل اتفاق بين الفريقين، فلا وجه حِينَئذٍ للقول باستحباب الترتيب.

وأمَّا رواية عليٍّ وابن مسعود: "لَا أُبَالِي بأَيِّ أَعْضَاءٍ بَدَأتُ"، قَدْ فَسَّرَها الإمامُ أحمدُ (١) وغيرُهُ من العلماء (٢) بأنَّ المَراد بذلك أنهم كانوا لا يبالون هل بدؤوا باليسرى أم باليمنى، وإن كان الأفضل إنما هو تَقْديم اليمنى.

[القول الراجح من هذين القولين]

لا شك أن القول بوجوب الترتيب أَوْلَى وَأَقْرَبُ، لِظُهُورِ أدلته وقوتها، ولاتفاقه مع نَسَقِ النَّصِّ القرآني، وَلِكَوْنِهِ فِعْلَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي دَاوَمَ عليه، فبالرغم من وُجُود أَحَاديث كثيرة نَقَلَتْ صفة وُضُوء الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم-، وبالرَّغم من اختلاف بعض الرِّوايات فيما بينها في بعض الصفات، كما وَرَدَ في وُضُوئه: "مرةً مرةً" (٣)، وَوَرَدَ في مُقَابِلِهِ "مَرَّتَين مَرَّتَين" (٤)، و"ثَلَاثًا ثَلَاثًا" (٥)، وكذلك ما وَرَدَ أنه أَمَرَ بِأَخْذِ ماءٍ لِلأُذُنَين (٦) وَوَرَدَ خلافُ ذلك، وبالرغم من كل هذا، لكن لَمْ يَرِدْ حديثٌ صحيحٌ واحدٌ في أنه تَرَكَ الترتيبَ في وضوئِهِ، وهذا لا شَكَّ يَدُلُّ على ملازمتِهِ له.


(١) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (١/ ١٠١)، حيث قال: "قال أحمد: إنما عنيا به اليسرى قبل اليمنى؛ لأن مخرجهما من الكتاب واحد".
(٢) يُنظر: "الحاوي" للماوردي (١/ ١٤٣) حيث قال: "فإن خالف السُّنَّة فيهما (أي: في اليدين)، وقَدَّم اليسرى على اليمنى، أجزأه؛ للأثر المروي عن عليٍّ -رضي الله عنه- أنه قدم اليسرى على اليمنى، وقال: "لا أبالي بأقيَ أعضائي بدأت"، ولأنَّ الاسمَ يَتنَاولهما على سواء؛ فكان التَّرتيب فيهما مستحبًّا لا واجبًا".
(٣) أخرجه البخاري (١٥٧).
(٤) أخرجه البخاري (١٥٨).
(٥) أخرجه البخاري (١٥٩)، ومسلم (٢٣٠).
(٦) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ١٠٧)، وصحح إسناده، وحسنه النووي في "المجموع" (١/ ٤١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>