للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقديره أنت، الرجلُ يريد وصيةً كبيرة، فكرَّر عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تغضب"، والغضب خطرُه عظيم؛ لأنَّ الإنسان إذا غضب زلَّ لسانه، وربما وقع في المَهالك.

ولذلك "لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان" (١)، والإنسان إذا تكلم كلامًا وهو غضبان قد يندم عليه، وكم من أناس تكلموا في حالة الغضب.

ولما سَئل معاذ بن جبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ " (٢)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ" (٣).

وقيل: "لسانك حصانك؛ إن صنته صانك، وإن هنته هانك"، فعليك بحفظ هذا اللسان، لا تتكلم إلَّا بالحق، فالأ تنطق بكلمة شر، ولا تنطق ببدعة، فلا يكون لسانك إلَّا رطبًا بذكر الله - سبحانه وتعالى - وكذلك إذا حفظت ما بين فخذيك؛ حينئذٍ تكون قد تجنبت محارم الله - سبحانه وتعالى -، فبذلك تكون من الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣)}، هذا هو الطريق السويّ.

[الفائدة الثالثة]

الحديث يُبين أنَّ المعاملات إنَّما تكون بالحسنى؛ لذلك يقول الله - سبحانه وتعالى - في شأن الدُّعاة: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ


(١) أخرجه البخاري (٧١٥٨)، ومسلم (١٧١٧) أنَّ عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه، وكان بسجستان، بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان، فإنِّي سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان".
(٢) جزء حديث أخرجه الترمذي (٢٦١٦)، والنسائي في "الكبرى" (١١٣٣٠)، وغيرهما.
وصححه الألباني في "الإرواء" (٤١٣).
(٣) أخرجه البخاري (٦٤٧٤)، عن سهل بن سعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>