للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّرْفُ وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا، ولا شكَّ أنَّ هذا ليس فيه نصٌّ، لكنَّ مالكًا أخذها بجانب الحيطة، والجمهور قالوا: ما دمت في المجلس، ولم تفارق صاحبَك فالقبضُ حاصل.

[تذييل]

هذه الشريعة مع أنَّها قامت على اليُسر، ومراعاة مصالح الناس، إلَّا أنَّها حريصةٌ كلَّ الحرص أن يكون مأكلَ الإنسان ومَشرَبَه ومَلبَسه طيِّبًا حلالًا؛ كما أرشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَيُّهَا النَّاس، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُوْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثمَّ ذَكَرَ الْرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَأ رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ " (١).

لكنَّ الشريعة لا تُضيِّقُ على الناس، تُراعي ظروفهم وأحوالهم، بل تُبيح لهم المحرمات في وقت الشدائد، فإذا تعلَّق الأمر بمهجة الإنسان، وذهاب حياته، فإنَّه تبيح له أن يأكل الميتة، وأن يدفع الغُصَّة بمحرَّم، وأن ينطق بكلمة الكفر ما دام قلبه مطمئنًّا بالإيمان، فهل هناك شريعة أجلَّ، أو أعظم من هذه الشريعة؟ هي شريعة خالدة؛ أنزلها الله - سبحانه وتعالى -؛ لتكون علاجًا من الأسقام، تسير معك أيها المسلم في كل أحوالك، في ليلك ونهارك، وصحتك ومرضك، وسفرك وحضرك، تبذل لك كُلَّ خيرٍ، وتزيلُ عنك كُلَّ إشكال، هي شريعة شاملة استوعبت جميع حاجات الناس، فلا خير إلَّا وأرشدت إليه، ودلَّت عليه، ولا شرَّ إلَّا حظرت منه، وحثَّت على الابتعاد عنه، هذه هي شريعة الإسلام التي جاء بها محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي


(١) أخرجه مسلم (١٠١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>