للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحجة الذين يمنعون الرجوع في الهبة هو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك وشبه ذلك بتشبيهٍ تفر منه النفوس، حيث قال: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" (١)، ولا شك أنه وصف لا تقبله النفوس، أما الوالد فليس محل شبهة في هذا المقام؛ لأن الوالد لا يُتهم بالنسبة لإعطاء ولده، فعنده من الشفقة والرحمة ومن محبة ولده ما يقتضي إبعاده عن التهمة؛ ولذلك جاء عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه وهب ابنته عائشة بستانًا ثم عاد وأخذه منها ورأى ألا يخصها بذلك دون أختها (٢).

قوله: (وَإِنَّمَا هِيَ رُجُوعٌ فِي الْهِبَةِ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصةٍ) ليست الهبة المعروفة، يعني: كأنه رجع في هبته، فهو أضعف من الرجوع في الهبة؛ إذ هو تشبيه بالرجوع في الهبة.

* فائدة:

انتقل المؤلف بهذه المسألة إلى كتاب الهبة، وذلك لأن مسائل الفقه مرتبط بعضها ببعض، وهذا الكتاب أقرب ما يكون إلى القواعد الفقهية؛ وذلك لأنه إذا تكلم في باب أطلَّ منه على باب آخر، وهذا شأن القاعدة الفقهية؛ فهي تجمع المسائل من أبواب شتى.


= وقال بنحو هذا القول النخعي، والثوري، وبه قال إسحاق. يُنظر: "الإشراف" لابن المنذر (٧/ ٧٥).
وقالت طائفة: إذا استهلكت الهبة، فلا رجوع فيها، كذلك قال الشعبي، وسعيد بن جبير. يُنظر: "الإشراف" لابن المنذر (٧/ ٧٧).
(١) أخرجه البخاري (٢٥٨٩) ومسلم (١٦٢٢) عن ابن عباس.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ (٢/ ٧٥٢) (٤٠) ولفظه: عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: "إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقًا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إليَّ غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقرًا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقًا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك. وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك، وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله، قالت عائشة، ففلت: يا أبت، والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء، فمن الأخرى؟ فقال أبو بكر: ذو بطن بنت خارجة، أراها جارية". وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (١٦١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>