نذكر ما كنا نشير إليه كثيرًا من أن هذا الكتاب لم يكن حاويًا لجميع مسائل الفقه، ولكنه عني بأمهات مسائله وأصوله، حتى أطلق عليه بعض العلماء السابقين واللاحقين أنه كتاب قواعد؛ لأنه -كما قلنا- وقف عند الأحكام التي نطقت بها الآيات أو الأحاديث، أو ما كان قريبًا مما نطق به النص، وقد أشار إلى ذلك بنفسه.
والكتاب الذي معنا الآن هو كتاب (صلاة العيدين)، ومعلوم أن اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إنما خلق الخلق لعبادته، فاللَّه -تعالى- يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)} [الذاريات: ٥٦، ٥٧].
ولا شك أن هذه العبادات منها ما يتعلَّق بأمر العقيدة، ومنها ما يتعلَّق -أيضًا- بأحكام الفقه، ونحن شرحنا كله يدور -كما هو معلوم- في فلك أحكام الفقه.
ولا شك أن الفقه قد أخذ حيزًا كبيرًا من أحكام هذه الشريعة، لكننا كذلك لا نقتصر على أحكام الفقه عندما نرى أن المقام يقتضي بيان بعض المسائل ذات الصلة بالعقيدة، أو بغيرها -أيضًا- من العلوم التي نحتاج إليها، والتي -أيضًا- تُعين في فهم الموضوع وفي بيانه.
(١) يُنظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" لابن القطان (١/ ١٧٨) حيث قال: "واتَّفق الفقهاء على أن الغُسل للعيدين حَسَنٌ لِمَن فَعَلَه، والطيب يُجزئ عند الجميع منه، وجمعهما أفضل".