للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا أنَّ التَّرْتيبَ هو المَنْقول من فِعْلِ الصَّحابة رضوان الله عليهم، مما يحملنا على اتباعه والوقوف عنده.

بَلْ إن في اتباع هذا القول اتباعًا للأحوط، وخروجًا من الخلاف، عملًا بقول النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ" (١)، فَتَارِكُ الترتيبِ لا رَيْبَ أنه يَبْقَى في شَكٍّ مِن أَمْرِهِ، والمؤمن يَنْبغي له أن يبتعد دائمًا عن مَظَانِّ الخلاف.

مَسَائل متعلِّقة بقضيَّة الترتيب:

وَفِي هَذِهِ المسائل يَتَبيَّن لنا مدى دقَّة الفقهاء في تناول المسائل وبَحْثها، ولا شكَّ أن هذا من أهمِّ النتائج التي يخرج بها الدارس من دراسة المسائل الفقهية المقارَنة.

المسألة الأولى: لو أن إنسانًا تَوَضَّأَ دون ترتيب وَفْقَ المذهب الأول، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ أَوَّلًا، ثم مَسَحَ رَأْسَهُ، ثم غَسَلَ يَدَيْهِ إلى المِرْفَقَيْنِ، ثم بعد هذا غَسَلَ وَجْهَهُ، فهل يَبْطُلُ بذلك وضوؤُهُ أم لا؟

فالقائلون بوجوب الترتيب من فقهاء الشافعية والحنابلة لا يقولون ببطلان وضوئِهِ في هذه المسألة، ولكن يَحكُمون بإلغاء ما يتعلق بغَسلِ الرِّجلين ومَسحِ الرأس وغَسلِ اليدين، لِيَبْقَى غَسلُ الوجه ثابتًا مستقرًّا شريطة أن يكون مصحوبًا بالنيَّة، والنيَّة -كَمَا هو معلومٌ - إنَّما هي شرطٌ من شروط صحَّة الوضوء عند جمهور العلماء عدا الحنفية، وقد فَصَّلْنَا القَوْلَ في هذا الأمر سابقًا (٢).

وقالوا (٣): إنَّه لو كَرَّرَ ذلك مرةً ثانيةً، فَحِينَئذٍ يُضَافُ إلى الوجه غَسْلُ


(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق الكلام عليه في المسألة الحادية عشرة من الشروط، وهي الترتيب في الوضوء.
(٣) مذهب الشافعية يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (١/ ١٨١) حيث قال: "حتى لو استعان بأربعة غسلوا أعضاءه دفعة واحدة ونوى، صح وضوؤه، وعلى الأول يحصل له في هذه الحالة غسل الوجه فقط كما لو نكس وضوءه ولو ساهيًا، فلو وَضَّؤوه بعد=

<<  <  ج: ص:  >  >>