بفروع الشريعة أنه إذا أسلم الكافر نقول له: تعالَ فتطهر، وصلِّ ما فاتك، لا، فإنَّ الله -سبحانه وتعالى - قد بيَّن أنه قد تجاوز عن هذا الأمر، والرسول - علَيه الصَّلاة والسَّلام - بيَّن أن الإسلامَ يَجبُّ ما قبله:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨]، وهذا مما يرغب في الإسلام بخلاف ما لو طلب من الكافر أنه إذا أسلم يُطَالب بمثل هذه الأمور، هذا قد يكون حاجزًا وسدًّا في سبيل وُصُوله إلى الإسلام، لَكن هَذَا لَا يُطْلب منه.
وجُمْهور العلماء يقولون بأن الكفارَ مُخَاطبون بفُرُوع الشريعة، والحنفية يقولون: غير مخاطبين.
ومن العلماء مَنْ يقول بأنهم مخاطبون بالنواهي، ومنهم مَنْ يقول: مخاطبون بالأوامر، ومنهم مَنْ يقول: مخاطبون بالأوامر إلا الجهاد، ومنهم مَنْ يتوقف في هذه المسألة، لَكِنِ القولان المشهوران هما: الأوَّل: قول الجمهور بأنَّهم مخاطبون، والآخر: أنهم غير مُخَاطبين.
قَصْد الفقهاء رحمهم الله الذين يقولون بأنَّ الكافرين مُخَاطبون بفُرُوع الشَّريعة؛ أي: من الناحية الأُخروَّية، ولذلك قال المؤلف -رحمه الله -: "لأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الحُكْمِ الأُخْرَوِيِّ".
والمراد بـ"الأَمْر الأُخْرَوي": أن الكافرَ يُضَاف إليه إلى جانب تعذيبه عن تَرْك الإيمان أنه يُعذَّب كذلك على ترك ما أوجبه الله عليه من صلواتٍ وزكواتٍ وغيرها، وَيسْتَندون إلى قول الله -سبحانه وتعالى -: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦)} [المدثر: ٤٢ - ٤٦]، فَجَعل من أسباب تعذيبهم أنهم تَرَكوا بعض الواجبَات.
إذَنْ، قَالُوا: نحن نَقُولُ بأنهم مُكلَّفون، ولا نُطَالبهم بعد الإسلام بأن يأتوا بمثل هذه الأعمال، أو بما يَتَرتب عليها، ولكنَّنا نريد أن نقول بأنه