للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشريعة الإسلامية، بل إنها جعَلَت المحافظة على أنساب الناس إحدى الضروريات الخمس.

فهذه هي حُجَّةُ هذه الفريق، بأن الحكمة من مشروعية العدة إنما هي التأكد من براءة رحم الزوجة منعًا لاختلاط الأنساب بين الناس، وأن براءة الرحم قد تحقَّقَت بالفعل في مدة الإيلاء، ولذا فإن الزوجة لا تلزمها العدة حينئذٍ.

[الجواب عن هذه العلة]

أن براءة الرحم لا شكَّ أنها من أقوى الأسباب التي شُرعَت من أجلها العدة، بل إنها الأصل في ذلك، ولكن في المقابِلِ فإن هذه العلة ليست فقط لبراءة الرحم، وإنما هناك أمور أخرى غير ذلك شُرعَت من أجلها العدة، كالوفاء للزوج مثلًا، فلا شكَّ أن العدة روعِيَ فيها أن تكون وفاءً لهذا الزوج برغم حصول الفراق بين الزوجين، وكذلك شُرِعَتْ العدة لكي تكون فرصةً للزوج لمراجَعة نفسه وإعادة التفكير في أمر هذه الفرقة وأضرارها، كما قال الله سبحانهُ وتعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، فلَم تكن هذه العدة فقط لبراءة الرحم.

وإلى جانب هذا كلِّه فإن هذه هي شريعة الله سبحانهُ وتعالى التي يجب أن نقف عندها وأن ننزل عند أحكامها، بحيث نستجيب لها لا أن نتجاوزها، فما دام الله سبحانهُ وتعالى قد شَرَعَ العدة وأكَّد ذلك رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم - سُنتِهِ فلا ينبغي لنا إلا التسليم لشرع الله؛ لأنها شريعةٌ باقيةٌ، ولذلك فإن الأئمة الأربعة قد التقَتْ أقوالهم في هذه المسألة.

- قوله: (وَحُجَّةُ الجُمْهُورِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ كَسَائِرِ المُطَلَّقَاتِ).

والمراد هاهنا أن الجمهور احتجوا بأن الله سبحانهُ وتعالى لم يَستَثْنِ مسألةً من المسائل في إقرار العدة، وإنما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>