مذهب الإمام أحمد، وهي أيضًا قولٌ في مذهب الشافعي، وهذا القول الذي أخذ به أبو حنيفة قال به جماعة من أكابر الصحابة، منهم عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه بن مسعودٍ، وعبد اللَّه بن عباسٍ، وكذلك عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وقال به جَمعٌ ليس بقليلٍ من التابعين؛ كسعيد بن المُسَيّب، وسعيد بن جُبيرٍ، وابن سيرين، وكذلك أيضًا الزُّهري، ومن الفقهاء أيضًا الثوري، وغير هؤلاء كثيرٌ.
لكنَّ الظاهر من مذهب أحمد، وكذلك من مذهب الشافعي، أنهم مع الجمهور، أنه لا زكاة فيها.
[لماذا اختلف العلماء في هذه المسألة؟]
لأنه عندما ننظر في أدلة الفريقين نظرةَ فقيهٍ مُدقِّقٍ يريد أن يصل إلى الحق ولا يريد سواه، ويريد أن يكون ترجيحه مبنيًّا على الدليل، نرى أنَّ الأرجح فيما يظهر لنا هو ما أخذ به الحنفية ومن معهم؛ لعدة أدلة، وإن كان المؤلف لم يستوف الأدلة، وهي:
الدليل الأول: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: (أتت امرأة -في بعض الروايات: من اليمن- إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعها ابنةٌ لها، وفي يدها مسكتان من ذهب غليظٍ -أي سواران من ذهب غليظٍ- فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا؟ "، قَالَتْ: لا، قَالَ:"أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارينِ مِنْ نَارٍ؟ " قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَتْ: هُمَا للَّهِ وَلِرَسُولِهِ.
فانظر كيف كان يستجيب المؤمنون رجالًا ونساءً إلى توجيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكيف كانوا ينزلون عند حكمه، خلعتهما مباشرةً وقالت: هما للَّه ولرسوله، ولما ورد النهي في تحريم الخمر قام المسلمون فألقوا أسقيتهم وما عندهم، وسألت في الطريق، وقالوا: انتهينا، انتهينا.