للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحيث إننا نقطع أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سافر في الأسفار المندوبة، ولم يُسافر سفر معصية قط، فنقف بالرخصة على الصور التي وردت فيها، وهي الأسفار الواجبة أو المندوبة؛ كالحج والجهاد، ولا نُعَمِّمها بحيث تشمل أسفار المعصية والأسفار المباحة.

وأما القصر؛ فالآية الكريمة دَلَّت على العموم، فيُباح القصر في الأسفار كلها، ثم خَصَّت الأدلة سفر المعصية، فمنعناه لأجل ذلك.

لكن يمكن قياس الجمع على القصر بجامع مشقة السفر (١)؛ فنُلحق الجمع في السفر المباح بالقصر في السفر المباح للمشقة؛ فمع أن الجمع إنما نُقل فعلًا فقط، لكن لا بد من نظر إلى الحكمة؛ فنحن مأمورون بتدبر هذه الأحكام، وأن نمعن النظر فيها، وأن ندقق في حِكِمها؛ فمن استقصى أحكام الشريعة أدرك أنها ما نزلت إلا لغايات وحِكم جليلة.

* فائدة:

ليس كل مسافر تلحقه مشقة، وهذا أظهر في وقتنا هذا، وسيأتي بعد هذا الكلام في المطر، فإذا قلنا بجواز الجمع في الحضر في اليوم المطير -على خلاف بين العلماء- منهم مَن يخصُّه بين المغرب والعشاء؛ لأن الحاجة أشد، ومنهم من يُعَمِّم؛ فيُدخل الظهر والعصر كالشافعية - عَمَّت الرخصة الجميع، سواء من يصيبه المطر، أو يتضرر به أو لا؛ لأن الرخصة إذا جاءت عَمَّت؛ فيذكر العلماء في هذا الباب أن هذا الحكم يعمُّ مَن هو آمن من إصابة المطر؛ كمن لا يأتيه المطر في طريقه بأن يكون


= دلالة الفعل المجرَّد عن الأحكام، حتى إننا لنجدهم ينسبون إلى الإمام الواحد أقوالًا متضاربة ينقض بعضها بعضًا، وإن أردتَ خير بيان في هذا الباب، فانظر: رسالة: "أفعال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ودلالتها على الأحكام الشرعية" للدكتور الأشقر (١/ ٣١٥، ومابعدها)؛ فقد أفرد قضية الفعل المجرَّد بفصل مستقل.
(١) يُنْظَر: "الإبهاج في شرح المنهاج" للسبكي (٣/ ٦٤)، حيث قال: "قياس الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذر المطر على الجمع في السفر بجامع الحرج، فإن جنس الحَرَج مؤثر في نوع الحكم، وهو إباحة الجمع".

<<  <  ج: ص:  >  >>