وترك تأويله، وأنه لا يحلُّ للعلماء أن يفصحوا بتأويله للجمهور، كما قال علي -رضي الله عنه-: حدثوا الناس بما يفهمون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله".
وقد استغرق ابن رشد في تقرير هذه الفكرة الباطنية في كتبه، حتى إنه جعل من أبرز سمات الفرقة الناجية من أُمَّة محمد -صلى الله عليه وسلم- أنها هي "التي سلكت ظاهر الشرع، ولم تؤوله تأويلًا صرحت به للناس". ينظر: "الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة" (ص: ١٥٠).
ولذلك توسَّع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ اللهُ في الرَّدِّ على خصوص كلام ابن رشد في هذا الكتاب، وبيان بطلان التفسير الباطني لنصوص الشريعة، وذلك في كتابيه العظيمين: "بيان تلبيس الجهمية"، و"درء تعارض العقل والنقل".
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ اللهُ في "مجموع الفتاوى" (١٩/ ١٥٧): "وابن سينا وأمثاله لما عرفوا أن كلام الرسول لا يحتمل هذه التأويلات الفلسفية؛ بل قد عرفوا أنه أراد مفهوم الخطاب: سلك مسلك التخييل، وقال: إنه خاطب الجمهور بما يخيل إليهم؛ مع علمه أن الحق في نفس الأمر ليس كذلك. فهؤلاء يقولون: إن الرسل كذبوا للمصلحة. وهذا طريق ابن رشد الحفيد وأمثاله من الباطنية".
٣ - مال في باب "البعث والجزاء" إلى قول الفلاسفة أنه بعث روحاني فقط، بل وقع هنا في ضلالة أعظم من مجرَّد اعتقاده مذهب الفلاسفة في البعث الروحاني؛ حيثُ جعل هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، وأن فرض كل ناظر فيها هو ما توصل إليه قال: "والحقُّ في هذه المسألة أنَّ فرض كلِّ إنسان فيها هو ما أدَّى إليه نظره فيها". انظر: "الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة" (ص: ٢٠٤).
٤ - ولعلَّ من أبرز سمات منهج ابن رشد في كتبه، وفي الوقت نفسه من أبرز أسباب أخطائه: هو عدم العناية بالسُّنَّة النبوية مصدرًا من مصادر التشريع.
يقول الدكتور خالد كبير علال حفظه الله: "ابن رشد لم يُعطِ للسُّنة