هَذَا الحديث له صلةٌ بالطريق الأمثل الذي ينبغي أن يسلكه الداعية في الدعوة إلى اللَّه، هذا صحابي جليل أرَادَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْثه إلى اليمن، وأهل اليمن أهل كثاب، وأهل الكتاب عندهم علمٌ، وفرقٌ بين أن تُجادل عالمًا وبين أن تُجادل جاهلًا، وفرق أيضًا بين أن تجادل عالمًا يريد الوصول إلى الحق، وبين أن تُجادل من عنده علمٌ، ولكنه يريد إحقاق الباطل، ودحض الحق، فهذا أيضًا له أسلوب، فالأحوال تختلف، فالرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"إنَّك ستأتي قومًا أهل كتاب، فَلْيكُنْ أوَّل ما تَدْعوهم إليه شهادة أَنْ لا إله إلا اللَّه. . . "، وفي هذا ردٌّ على الذين يتكلمون الآن عن الدعوة، ويَرَون أن الداعية ينبغي عليه أن يجمع المسلمين، ولا ينبغي أن يمضي أوقاتًا في العقيدة.
لا شك أن العقيدة هي الأساس، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مكث في بَعْثته ثلاثةً وعشرين عامًا: ثلاث عشرة سنة -وهي الأكثر- قَضَاها بمكة ينافح عن عقيدة التوحيد، ويدعو إليها، وَيُحَارب الشرك، يريد أن يُثبِّت العقيدة في نفوس الناس، ثم بعد ذلك بدأت الأحكام، فقوله:"فَلْيكُنْ أوَّل ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه"، هو الأصل الأصيل الذي ينبغي أن تُبنى عليه كل الأعمال، فإذا صحت هذه العقيدة وثبتت، فلتشرع في العبادات، "فَإِنْ هم أطاعوك لذلك، فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم -أَو: افْتَرض عليهم- خمس صلوات في اليوم والليلة"، فقَدْ ذَهب ليبين الواجبات والأركان؛ لأنه بعد ذلك ذكر الزكاة، ثم قال:"وإيَّاك وَكَرائم أموالهم. . . "، إلى أن قال:". . . واتقِ دعوة المظلوم، فإنَّه ليس بينها وبين اللَّه حجاب".
وهذا حديث عظيم لو أردنا أن نقفَ على مَعَانيه، وندرس جزئياته لاحتجنا إلى مجالسَ مُتَعدِّدةٍ.
الشَّاهدُ من هَذَا الحديث أنه قال:"إن اللَّه قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة. . . "، ولم يذكر الوتر، وإنما كان هذا الحديث