للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفْقِ الترتيب الوارد في الآية، كأحاديث عثمانَ (١) وعليِّ (٢) وعبد الله بن زيدٍ (٣) -رضي الله عنه-، والله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، فعليه وَجَبَ اتباع هذا الترتيب، لكونه من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الفعلية المبيِّنَة لأمر الله سبحانه وتعالى.

وَكَذلك لم يُنقَل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أجَاز لأحدِ العدولَ عن هذا الترتيب، ولا نُقِلَ عن أَحَدٍ من الصحابة أيضًا أنه لم يَأْتِ بالوضوء مرتَّبًا، فهذا كلُّه يدلُّ على تَعَيّنِ الترتيب ووُجُوبه.

[النقاش بين الفريقين]

أما استدلال الأحناف والمالكية بما هو منسوب لعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، فقد ردَّه الفريق الآخر بجهالته، وعدم ثبوته.

وأما استدلالهم بقياس الوضوء على غُسل الجنابة، فقد ردَّه الشافعية (٤) والحنابلة (٥) بأنه قياس مع الفارق؛ لأن بَدَنَ الجنب يُعتَبَر بمثابة العضو الواحد، أما أعضاء الوضوء، فإنها مُجَزَّأَةٌ مُقَسَّمَةٌ، لا بد أن تأتي عُضْوًا عُضْوًا، ولا ينبغي أن نقيسَ أعضاء متعددة على عضو واحد.

وَرَدُّوا كذلك ما ذَهَبَ إليه الأحناف والمالكية من القول باستحباب الترتيب لا وجوبه بأن الآية اقتَصَرَتْ على ذِكْرِ الفرائض، ولم تتطرق إلى


(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري (١٨٥)، ومسلم (٢٣٥).
(٤) يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١/ ١٤٢) حيث قال: "وأما الجواب عن قياسهم على الغسل من الجنابة، فهو أن جميع البدن في الجنابة بمنزلة العضو الواحد في الوضوء، وليس في العضو الواحد ترتيب، فكذلك في بدن الجنب، وإنما الترتيب في الأشياء المتغايرة".
(٥) يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (١/ ٣٦) حيث قال: "لأن بدن الجنب كالعضو الواحد، فانتقال الماء من عضوٍ إلى آخَرَ كتردده على عضو واحد بخلاف أعضاء المحدث، فإنها متغايرة، ولذلك اعتبر لغسلها الترتيب".

<<  <  ج: ص:  >  >>