للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهما مِن حيث السُّنية يلتقيان -أيضًا- مع صلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء (١) سُنَّة باتفاف العلماء، وعليه، فإن تشبيه صلاة الكسوف بتلك الصلاتين أقرب مِن تشبيهها بصلاة الظهر؛ لأنَّ تلك صلاة مكتوبة مفروضة ورباعية، وتُؤدى في كل يوم، وصلاة الجمعة هي مَرَّة في الأسبوع، أما صلاة العيدين إنما تُقام مرتين في السنة، وصلاة الاستسقاء إنما تُقام في المناسبة عندما يَحصل قحطٌ وتجدب الأرض؛ فيهرع الناس ويتجهون للصلاة مُتضرعين إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ثالثًا: مناقشة أدلة الفريقين:

أجاب الفريق الثاني عن أدلة الفريق الأول، وقالوا -بالنسبة لحديث عائشة-: "إنَّها حَزَرت قراءة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . " - فليس نصًّا، فلا يدل دلالة قطعية على أن الرسول لم يَجهر، وإنما قالت: "حزرت قراءته"، فهناك احتمال: أن تكون عائشة بعيدة، وأنها لا تَسمع ما يقرأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واحتمال آخر: أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَبدأ من أول البقرة، وإنما بدأ من أوسطها، أو من آخرها، ثم قرأ -أيضًا- في آل عمران، ولذلك حزرت مجموع ما قرأ بأنه بقدر سورة البقرة، كما أن في سند الحديث محمدَ بن إسحاق المتكلم فيه عند العلماء إذا عَنْعَنَ.

وحديث عبد اللَّه بن عباس ليس نصًّا أيضًا، ففيه احتمال أنه ربما لم يَسمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وأما حديثه الآخر: "أنَّه صلى إلى جنب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يسمعه يَقرأ"، فحديث ضعيف، وقد نصَّ (٢) على ذلك النوويُّ، ومذهبه -أيضًا- عدم الجهر بالقراءة.


(١) الاستسقاء: طلب إنزال السُّقيا على البلاد والعِباد. يُنْظَر: "لسان العرب" لابن منظور (١٤/ ٣٩٣)، و"المطلع على ألفاظ المقنع" للبعلي (١/ ١٣٩).
(٢) يُنْظَر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (٥/ ٤٦)، حيث قال: "رواه البيهقي في "سننه" بمعناه بإسناد ضعيف فيه ابن لهيعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>