للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي روايةٍ أُخرى في غير الصَّحيحِ أنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سأل يومًا آخر: "هل عندكم من شيءٍ؟ "، فقالت: حيس (١).

والحيس (٢): طعامٌ يخلط من تمرٍ وسمنٍ وأقطٍ، أو من تمرٍ وسمنٍ ودقيقٍ، وكان من أحسن أطعمة ذاك الزمان.

أدبيَّاتٌ:

وفي هذا الحديث بيانُ المنهج الذي كان يسلكه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أهل بيته، فما كان يرفع صوته وإنما يسأل بلطف ورقةٍ: "هل عندكم من شيءٍ؟ "، ومعلوم كيف كانت الحال التي يعيشها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأصحابه -رضي اللَّه عنهم- من القلِّة، لكن ذلك لم يكن ليصرفهم ولم يقلِّل من طاعة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بل كانوا متفرِّغين لطاعة اللَّه، يؤدُّون ما ينبغي عليهم من أُمور هذه الحياة، عملًا بقول اللَّه تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: ٧٧].

وفيه أيضًا: زهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "هل عندكم من شيءٍ؟ "؛ أي: يؤكل، ولو كانت حباتٍ من رطبٍ أو قطعةٍ من خبزٍ أو أي نوعٍ من أنواع الطعام، فلما لم يجد شيئًا، قال: "إني صائمٌ".

فالواجب التأسي بالنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في مثل تلك الأحوال، فإنَّ من النَّاس من إذا دخل بيته فلم يجد الطعام قد هيئ، أو تأخر عنه لحظاتٍ ربما رفع صوته أو تجاوز الحدَّ مع أهل بيته، فيحسن بنا أن نتتبَّع سيرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، في معاملته مع الناس عامةً ومع أهل بيته خاصةً.

* قوله: (وَلِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "الْيَوْمُ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ


= جاءنا زور- وقد خبأت لك شيئًا، قال: "ما هو؟ "، قلت: حيس، قال: "هاتيه"، فجئت به فأكل، ثم قال: "قد كنت أصبحت صائمًا".
(١) تقدَّمت وهي في صحيح مسلم.
(٢) الحيس: خلط الأقط بالتمر، يعجن كالخميرة. انظر: "العين" للخليل (٣/ ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>