للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا جراحات العبيد بعضهم مع بعض؛ فللعلماء فيها ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه يقتص بينهم في النفس وما دونها، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وهو المروي عن عمر بن الخطاب، وتمسك أصحاب هذا القول بعموم قول الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥]، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨]، فيقاد العبيد بعضهم من بعض.

القول الثاني: أنه لا قصاص بينهم لا في النفس ولا في الجرح، وهو قول الحسن وابن شبرمة وجماعة.

واعتبر هؤلاء مالية العبد، وأنه سلعة تباع وتشترى، والقود منه يترتب عليه ضرر لمالكه.

أما قول المؤلف: "وأنهم كالبهائم "، فهذه لفظة ما تنبغي، ولكن هؤلاء نظروا إليهم من حيث كونهم يباعون ويشترون، وإلا فإن للعبيد كرامة؟ لعموم قول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ٧٠]، فكيف إذا كانوا أرقاء مؤمنين؟! ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم: "إخوانكم -يعني خَدَمكم- خَوَلُكم" (١).


(١) أخرجه البخاري (٣٠)، ومسلم (١٦٦١)، عن أبي ذر مرفوعًا، بلفظ: "إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم ".
قال القسطلاني في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (١/ ١١٦): " (إخوانكم)، أي: في الإسلام أو من جهة أولاد آدم، فهو على سبيل المجاز. (خَوَلكم) بفتح أوله المعجم والواو، أي: خدمكم أو عبيدكم، الدين يتخولون الأمور، أي: يصلحونها، وقدم الخبر على المبتدأ في قوله: "إخوانكم خولكم "؛ للاهتمام بشأن الأخوة ".

<<  <  ج: ص:  >  >>