(فامسحوا رؤوسكم) دون الباء، ربما يفهم أن القصد هو مجرد المسح فقط، فجاءت الباء لتضيف حكمًا جديدًا يتطلّبه المقام، ألا وهو أن المسح لا بدَّ من إضافة الماء إليه، فتبلُّ اليد أو اليدان على المشهور والأفضل، فيُمْسح بِهِما مع الرأس، هذا على مذهب مَنْ قالوا: إن الباء هنا للإلصاق، وهذا أَوْلَى.
أمَّا الذين قالوا بأن الباء للتبعيض، فقالوا: إنها هنا تدلُّ على أن الواجب إنما هو مسح بعض الرأس، وهؤلاء تعددت أقوالهم حتى أوصلها بعض العلماء إلى ما يَزيد على ثلاثة عشر قولًا، ترجع كلُّها إلى قولين:
القول الأوَّل: وهو المشهور عن الإمامين مالكٍ وأحمد: أن الواجب هو مسح جميع الرأس.
وَالقَوْل الثَّانِي: أنَّ الواجبَ هو مَسْح بعض الرأس.
ثمَّ يَخْتلفون، فَتَجد في المذهب الحنفيِّ ثلاثةَ أَقْوَالٍ، وتجد في المذهب الشافعيِّ قولين، وحتَّى المذهب المالكي فيه خمسة أو ستة أقوال بالنسبة لغير المشهور من مذهب مالكٍ.
دليل مَنْ قالوا بوجوب تعميم مسح الرأس:
قالوا: إن الباء هنا إمَّا أنها زائدةٌ للتوكيد، أو أنها للإلصاق، وهذا أقرب، والقصد من ذلك هو إلصاق اليد على الرأس، ويستدلُّون بقول الله -سبحانه وتعالى -: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}[المائدة: ٦]، وهذا في الحديث عن التيمم.
يقولون: أنتم تَشْترطون في التيمم أن يستوعبَ مسحَ جميع الوجه، وكذلك اليدين، وقلتم: إنَّ مسح الوجه شاملٌ، وكذلك مسح الكفَّين، وهنا قلتم: إن الباء للتبعيض، فلماذا فرقتم بينهما بلا داعٍ؟!
أما الذين قالوا: إن الباء للتبعيض، فقد استدلوا بحديث المغيرة، وهو حديث صحيح، يبيِّن فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام مسح