للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء، أخرجه البيهقيّ (١) وغيره (٢)، فليعدل بين الخصمين أي: المتنازعين اللذين يأتيان إلى مجلس القضاء.

[فليعدل في ماذا؟]

١ - في اللفظ: أي عندما يتكلم لا يغلظ على أحد الخصمين، ربما يرق في كلامه لهذا، وربما يغلظ على هذا، وكذلك في نظراته؛ فلا ينظر إلى هذا نظرة إعزاز وإكرام، ولا ينظر إلى الآخر نظرة دون ذلك، ولا يصغي إلى هذا أكثر من الإصغاء إلى ذلك، أو أنه يختار لهذا مكانًا أحسن من هذا.

فهنا في مجلس القضاء، لا فرق بين صغير وكبير، ولا بين عزيز وذليل، ولا بين شريف ووضيع: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] ولذلك لما دخل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في خصومة حصلت بينه وبين أحد الصحابة، ذهب إلى بيت زيد بن ثابت، فأراد زيد أن يجلسه في مكانه، فقال: "لا، أجلس إلى جانب خصمي". وهو أمير المؤمنين وخليفتهم، وهو أحد المبشرين بالجنة، وهو الذي قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فيه: "لو سلك عمر واديًا لسلك الشيطان واديًا آخر" (٣)، وبيّن أنه الملهم (٤)، ونزل القرآن في آيات كثيرة موافقًا لرأيه (٥).


(١) أخرجه البيهقيّ في "الكبرى" (١٠/ ٢٢٨) ولفظه: "عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده". وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٦١٨).
(٢) أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (١٨٤٦)، وأبو يعلى في "مسنده" (٥٨٦٧)، والطبراني في "الكبير" (٦٢٢).
(٣) أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (٤٤٤)، والآجري في "الشريعة" (١٣٨٧).
(٤) أخرجه البخاري (٣٤٦٩) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب".
(٥) أخرجه البخاري (٤٠٢)، ومسلم (٢٣٩٩) عن أنس بن مالك، قال: "قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: وافقت ربي في ثلاث؛ فقلت: يا رسول الله! لو اتخذنا من مقام =

<<  <  ج: ص:  >  >>