للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا توفر فيه هذا الشرط، وفاق الكبار، وامتاز عليهم - رأوا أن يقدموه في الصلاة؛ لأنهم وجدوا أنَّ قول الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وليؤمكم أكثرُكم قرَآنًا"، إنَّما ينطبق على هذا الصبي الصغير، فقَدَّموه في الصلاة، وكان ثوبه قصيرًا، فيذكر في القصة أن اجتمعوا فتبرعوا له، فاشتروا له ما يَستر به عورته؛ لأنَّ النساء كنا يشتكين، ويقلن: "أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ "، لأنَّه كان صغيرًا، فاشتروا له ذلك، قال: "فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذلِكَ القَمِيص" (١).

* فائدة:

سُرَّ به؛ لأنَّه صغير وجاءه ثوب، ولا نقيس ما مضى على حالنا الآن، فالمسلمون فيما مضى كانوا في حالة قلة، ما كانت تشغلهم دنياهم عن أخراهم، إنَّما كان ديدنهم الأول هو الاشتغال بأمور نافعة، وإن كانوا لم ينسوا نصيبهم من الدنيا، كما قال تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: ٧٧]، لكن أمور الدنيا كانت تأتي متأخرة، فليس عندهم من الرفاهية ومن المال ومن الكماليات التي نراها الآن، ونشهدها في كل مكان، ولا القليل مما نراه، بل هذه النعم التي نرفل فيها الآن، والتي بعضنا لا يُدرك قيمتها ولا عظمها، ربما الذي عاش منا في حدود الخمسين رأى أحوال الناس فيما مضى، وأحوالهم في وقتنا الحاضر، وكيف نقلهم اللَّه تعالى من العسر إلى اليسر، ومن الضيق إلى السعة، إذًا هذه نعم من نعم اللَّه سبحانه وتعالى علينا تستحق منا الشكر والاعتراف بالفضل والإحسان له سبحانه وتعالى، فهو الذي يهب النعم ويسلبها، والذي يعطي ويمنع،


(١) أخرجه البخاري (٤٣٠٢)، عن عمرو بن سلمة، قال: ". . . فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم -واللَّه- من عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حقًّا، فقال: "صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليُؤذن أحدكم، وليَؤُمكم أكثركم قرآنًا". فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقَدَّمونى بين أيديهم، وأنا ابن سِتِّ أو سبع سنين، وكانت عليَّ بُردة، كنتُ إذا سجدت تَقَلَّصت عني، فقالت امرأة من الحي: أَلَا تُغطوا عنا استَ قارئكم؟ فاشتروا، فقطعوا لى قميصًا، فما فرحتُ بشيء فرحي بذلك القميص".

<<  <  ج: ص:  >  >>