للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَجَّه (١) في وجهه، وهو في سِنِّ الرابعة (٢).

إذًا هؤلاء الصغار يختلفون، وقد يوجد من الكبار مَن ليس عنده فطنة (٣)، ولا وعي، ولا إدراك، ولذلك كما تعلمون شُرع الحَجْر (٤) على السفيه، فكم من كبير يتصرف تصرفًا لا يحصل من الصغار، لكن هناك قاعدة عامة.

إذًا لماذا تردد بعضُ العلماء في كون الصغير يَؤُمُّ؟

لأنَّ الصلاة منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو باطن، فالقارئ يقرأ ولو أخطأ لرُد عليه، والتكبير يسمعه الناس، لكنَّ هناك أمورًا لا يدري عنها؛ منها الحدث، ومنها الخلل في بعض الأشياء، فالذين يمنعون ذلك، بعضهم يعلل بأنَّ الصغير قد تَفوته أمور، إذًا هذا الصغير الذي لم يبلغ الحلم، هل له أن يَؤُمَّ الناس أم لا؟

هنالك قضية معروفة: فإنَّ قوم عمرو بن سَلِمَة جاؤوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأرشدهم -ومما أرشدهم إليه- قوله: "وليؤمكم أكثرُكم قرآنًا"، فهذا صغير في سن السابعة - ونحن الآن نجد أنَّ الذي في سِن السابعة قد لا يُدرك شيئًا، إمَّا في السنة الأولى الابتدائية أو الثانية، لكنَّه حريص؛ يعني: كان أحرص قومه، كان يقف في طريق المسافرين، يرقب القادمين من المدينة، فيسألهم عمَّا أخذوا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من قرآن أو عِلم، فكان يتلقى عنهم، فاجتمع عنده من القرآن ما لم يجتمع عند غيره،


(١) مَجَّ المَاء يمجُّه مجًّا، إِذا مجه من فِيهِ بِمرَّة واحدة، أي: أخرجه. انظر: "جمهرة اللغة"، لابن دريد (١/ ٩٢).
(٢) أخرجه البخاري (٧٧)، واللفظ له، ومسلم (٣٣/ ٢٦٥)، عن محمود بن الربيع، قال: "عقلتُ من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَجَّة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو".
(٣) الفطنة كالفهم. وتدل على ذكاء وعلم بالشيء. انظر: "الصحاح"، للجوهري (٦/ ٢١٧٧)، و"مقاييس اللغة"، لابن فارس (٤/ ٥١٠).
(٤) الحَجْر: المنع مِن حَدِّ دخل. والحِجر بكسر الحاء: الحرام؛ لأنه منعٌ عنه، والحِجر: العقل؛ لأنه مانع عن القبائح. وحجر السفيه: منعه عن التصرفات. انظر: "طلبة الطلبة"، للنسفي (ص: ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>