للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الفَصلُ الأولُ: فِي القَصْرِ

وَالسَّفَرُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي القَصْرِ بِاتِّفَاقٍ، وَفِي الجَمْعِ بِاخْتِلَافٍ. أَمَّا القَصْرُ، فَإِنَّهُ اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ قَصْرِ الصَّلَاةِ لِلْمُسَافِرِ (١) إِلَّا قَوْلًا شَاذًّا، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ: وَهُوَ أَنَّ القَصْرَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْخَائِفِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١]، وَقَالُوا: إِنَّ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إِنَّمَا قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ خَائِفًا (٢)، وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ، أَحَدُهَا: فِي حُكْمِ القَصْرِ. وَالثَّانِي: فِي المَسَافَةِ الَّتِي يجِبُ فِيهَا القَصْرُ. وَالثَّالِثُ: فِي السَّفَرِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ القَصْرُ. وَالرَّابِعُ: فِي المَوْضِعِ الَّذِي يَبْدَأُ مِنْهُ المُسَافِرُ بِالتَّقْصِيرِ. وَالخَامِسُ: فِي مِقْدَارِ الزَّمَانِ الَّذِي يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ فِيهِ إِذَا أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ. فَأَمَّا حُكْمُ القَصْرِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ القَصْرَ هُوَ فَرْضُ المُسَافِرِ المُتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ القَصْرَ وَالإِتْمَامَ كِلَاهُمَا فَرْضٌ مُخَيَّرٌ لَهُ كَالخِيَارِ فِي وَاجِبِ الكَفَّارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ القَصْرَ سُنَّةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَأَنَّ الإِتْمَامَ أَفْضَلُ، وَبِالقَوْلِ الأَوَّلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ،


(١) انظر: "الإقناع في مسائل الإجماع"، لابن القطان (١/ ١٦٥)، وفيه قال: "وقصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجه وعمرته وفي مغازيه من غير خوف. واتفق الجميع أن القصر في ذلك جائز. وجمهور العلماء على أن القصر أفضل من الإتمام، وهو المشهور من فعله -صلى اللَّه عليه وسلم-".
(٢) سبق ذكر هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>