للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما نسبة هؤلاء بالنسبة للإمام الشافعي؟ ماذا يساوي هؤلاء بالنسبة لذلكم الإمام الجليل الذي ضُرِبت إليه أكباد الإبل (١) مِن كل محلٍّ؟ فقد كان الإمام أحمد يأخذ بيد إسحاق، ويذهبان يتعلمان منه.

فالذي يسلك مسلك رد الأحاديث أو التطاول عليها؛ يُخشَى عليه، لكن إن تُرك الحديث لضعفه من عالمٍ مَلَك أدوات العلم؛ فهذا مجتهد، وقد مَرَّ أن الإمام الشافعي (٢) لم يأخذ بحديث عمَّار المتفق عليه بالنسبة لضربة واحدة في التيمم، وأخذ بحديثٍ آخَر صَحَّ عنده، وصح أيضًا عند غيره؛ لأن فيه زيادة: "أنه يمسح بيده إلى المرفقين"، ولم يقتصر على مسح الوجه والكفين فقط، بل قال بمسح الوجه واليدين إلى المرفقين وبضربتين، فهنا خالف لأن له دليلًا، لكن أنْ يصح الدليل ويُرَد، فهذا هوًى أو جهلٌ بهذه الشريعة.

[فائدة]

هناك ما يُسمى بـ "الفقه الواقع"، والفقه الواقع عادةً يُسمَّى: التقدير، مثل السؤال عما لم يقع، فقد كان السلف يتورعون، ولا يحبون ولا يرون


(١) فلانٌ تضرب إليه أكباد الإبل، أي: يرحل إليه في طلب العلم وغيره. انظر: "الصحاح" (٢/ ٥٣٠).
(٢) يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (١/ ٢٦٤، ٢٦٥) وما بعدها، حيث قال: " (ومسح وجهه ويديه بضربتين) لورودهما في الأخبار مع الاكتفاء بالضربة إذا حصل بها التعميم؛ لحديث عمار السابق، ولأن المقصود إنما هو إيصال التراب وقد حصل (قلت: الأصح المنصوص وجوب ضربتين، وإنْ أمكنَ بضربة بخرقة ونحوها) بأن يأخذ خرقة كبيرة فيضربها، ثم يمسح ببعضها وجهه وببعضها يديه (والله أعلم). والثاني: فيه راوٍ ليس بالقوي عند المحدثين ذكره في "المجموع". ومع هذا صحح وجوب الضربتين، وقال: إنه المعروف من مذهب الشافعي، أي: لأنَّ الاستيعاب غالبًا لا يَتأتَّى بدونهما، فأشبها الأحجار الثلاثة في الاستنجاء، ولأن الزيادة جائزة بالاتفاق. فإن قيل في حديث عمار "أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك … "، أجيب بأن المراد بيان صورة الضرب للتعليم، لا بيان جميع ما يحصل به التيمم".

<<  <  ج: ص:  >  >>